هو الأشرف صلاح الدين خليل ، الابن الثاني للسلطان سيف الدين قلاوون .
كان الأشرف حسن الوجه ، بديع الجمال ، مستدير اللحية ، ضخم الجسد ، وقيل علي صورته رونق الحسن ، وهيبة السلطنة ، يَملأُ العين ، ويُرجِف القلب .
جمع الأشرف بين العديد من المتناقضات أولها الحزم واللين ، وكان سريع الغضب والرضا ، كثير العزل والتعيين ، وكان شجاعاً مقداماً ، مخوف السطوة ، قوي البطش ،
وعُرِف عنه لطفه في معاملة موظفيه ، إلاّ أنَّه غير متعقل ، فلا يفكر في عواقب الأمور ، وعنده استخفاف بأكابر الأمراء ، وقد أكثر هذا من أعدائه فحاكوا المؤامرات ضده .
جلس الأشرف خليل علي عرش السلطنة عام 689ه/1290م .
وخُطِبَ له علي المنابر ، وأرسل للخليفة الحاكم العباسي فاستدعاه وخطب بالمسلمين .
وعين ” حسام الدين طرنطاي ” نائباً له ، وعُهد إلي ” علم الدين سنجر الشجاعي ” وولاه الوزارة .
وبعد أيام عدة من سلطنته قبض الأشرف علي نائبه ” حسام الدين طرنطاي ” وقتله ؛ وقيل أذاقه صنوفاً من العذاب متهماً إياه بإحاكة مؤامره ضده حاول فيها قتله ،
فعرف السلطان الأشرف فقبض عليه وقتله ، واستطاع الأشرف أن يتخلص من صاحب النفوذ الأقوي بعد والده ، وهو النائب طرنطاي بدعوي أنه حاول قتله أثناء سيره في الموكب ،
وكانت العلاقة التي جمعت الأشرف وطرنطاي إبان حكم المنصور كانت حادة ومتوترة ، وقد ظهر حقد كل منهما على الآخر .
وإن تعمد طرنطاي إهانة عمال الأشرف ومماليكه إنما هي إهانة للأشرف نفسه بصورة غير مباشرة ، فحقدها له الأشرف وأصبح ينتهز الفرص للإنتقام منه .
لم يكن للأشرف أي وسيلة أخرى للخلاص من نفوذ الأمير طرنطاي السياسي والاقتصادي سوي قتله وفوض نيابة السلطنة إلي ” بدر الدين بيدرا” والوزارة إلي ” شمس الدين محمد بن السلعوس ” .
توجه السلطان بالعساكر يريد أخذ عكا ، وأرسل إلي العساكر الشامية وأمرهم بالحضور ، وأن يحضروا صحبتهم المجانيق ، وسار السلطان إلي عكا ووقع الحصار وأمر أن تضرب كلها دفعة واحدة ،
فلم ترتفع الشمس حتي علت الصناجق الإسلامية علي أسوار عكا ، وهرب الفرنج في البحر وهلك منهم الكثير ، والمسلمون يقتلون ويأسرون فقتلوا مالا يحصي عدُّه كثرة ؛
واجتهدو غاية الاجتهاد في محاربة عكا والتضييق علي أهلها ، وأمر السلطان بهدمها وتخريبها وفتحت صور ؛ وحيفا ؛ وعثليت بدون أدنى مقاومة ، وفر أهلها خوفاً على أنفسهم ،
واشتدت مضايقة العساكر لعكا حتي فتحها الله تعالى لهم بالسيف ، ولما هجمها المسلمون هرب جماعه من أهلها في المراكب وكان في داخل البلد عدة أبرجة عاصية دخلها عالم عظيم من الفرنج وتحصنوا بها وقتل المسلمون منهم عدد كثير وغنموا من عكا شيئاً يفوت الحصر من كثرته .
ومن عجائب الإتفاق أن الفرنج استولوا على عكا أخذوها من صلاح الدين الايوبي في سابع عشر من جمادى الآخرة 587ه واستولوا علي ما بها للمسلمين ثم قتلوهم فقدر الله عز وجل في سابق علمه أنها تفتح في سابع عشر من جمادى الآخرة على يد السلطان الملك الأشرف صلاح الدين ، فكان فتوحها مثل اليوم الذي ملكها الفرنج فيه .
كان من الطبيعي علي الأشرف أن يعزل حاشية والده ، ممن لم يثق بهم من الأمراء والنواب ، وعلي وجه الخصوص نواب البلاد الشامية ،
فعمد إلي عزلهم ، وطلب منهم القدوم إلى الديار المصرية ليبقوا أمام عينيه ؛ فكان الأشرف متخبطاً في سياسته تجاه الأمراء ،
فتاره يعزل ؛ وتاره يسجن ؛ وتاره أخري يطلق ويعفو ، مما يدفع الأمير المعزول ، للوقوف مع الأمراء الآخرين في وجه الأشرف كما حدث مع ” حسام الدين لاجين ” .
تولي لاجين نيابة الشام للمنصور قلاوون عام 279ه/1280م . وبقي علي منصبه حتي عام 690ه/1291م . وكان الأشرف في بداية سلطنته ، قد بعث له بكتاب يبقيه علي نيابة السلطنة ، ثم بعد تحرير عكا قبض عليه مع أمراء آخرين ؛
بدعوة تعاونه مع الأمير طقصوا ” هو سيف الدين طقصوا ، من أكابر أمراء المصريين زمن المنصور ، وهو حَمُو الأمير حسام الدين لاجين ، قام الأشرف بقتله ” .
كان علي علاقة مع نائب السلطنة السابق ” حسام الدين طرنطاي فاتُهموا جميعاً بتأمرهم ضد الأشرف ، وبعد إعتقال لاجين أطلقه الأشرف بعد مدة قصيرة ،
ثم قبض عليه مرة أخري ليشي به أحد الاعراب ويحكم عليه بالإعدام مع أمراء آخرين منهم ” سنقر الأشقر ، وعلم الدين الشجاعي” وأمر السلطان بخنقهم فماتوا جميعاً ، غير لاجين الذي وجد فيه الرَّمق ، وفي الوقت نفسه زادت نقمتهم عليه ،
ومن هؤلاء لاجين الذي ساهم وبشكل كبير في إحاكة المؤامرات ضده . وأن مجموعة الأمراء الذين تأمروا علي الأشرف وقاموا بقتله كانوا من النواب الذين تم عزلهم .
سار السلطان الملك الأشرف من مصر وجمع عساكره المصرية والشامية ، وحاصر القلعة ؛ واشتدت مضايقتها ودام حصارها وفتحت بالسيف ، وقتل أهلها ، ونهب ذراريهم ، واعتصم ” كيناغيلوس ”
خليفة الأرمن المقيم بها في القلة ، وكذلك اجتمع بها من هرب من القلعة ، فأمر السلطان أن يرمي عليهم بالمنجنيق فلما استعدوا لذلك طلبوا الأمان من السلطان فلم يؤمنهم إلا علي أرواحهم وأن يكونوا أسري فأجابوا إلي ذلك ،
وأخذ كيناغيلوس وجميع من كان بقلة القلعة أسري وأمر السلطان علم الدين سنجر الشجاعي لتحصين القلعة وإصلاح ما خرب منها .
توجه الأشرف خليل إلي الاسكندرية لتفقد أحوالها ، ورافقه الأمراء ووزيره ابن السلعوس ، وعندما توقفوا في الطرانة بالبحيرة ، سبقه وزيره إلي الاسكندرية كي يمهد لزيارة الأشرف وعلم الأمراء أن الأشرف بمفرده ،
وعندما وصلوه ابتدأ ” بيدرا ” بضربه ضربة تلقاها بيده فجرحه ، فصاح لاجين قائلاً :- ” من يرد السلطنة لاتكون هذه ضربته ..”
أي أن لاجين استهتر بضربة بيدرا ، وبين أنها ضعيفة ، ثم ضرب لاجين الأشرف ضربة قوية أسقطته عن حصانه ،
وتتابع ضرب الأمراء له حتي مزقوه ، وأبقوه ملقي في البرية يومين ، فحمله ” ايدمر الفخري” والي ترجه إلي القاهرة فدفن بتربته .