الآداب
آخر تحديث بتاريخ: 9 أشهر

المدينة الفاضلة عند افلاطون وكما رآها الفارابي

المدينة الفاضلة عند افلاطون لطالما كانت هي أكثر الأشياء والنظريات التي اشتهر بها افلاطون. والذي يعد بدوره واحدا من أبرز الفلاسفة الإغريق، الذين أثروا الفلسفة الغربية بكثير من الأفكار والمؤلفات. وإذا أردنا أن نحدد قيمة افلاطون الفلسفية في الفلسفة اليونانية فإنه يأتي في المنزلة بعد المعلم الأكبر ورائد الفلسفة اليونانية أرسطو.

اقرأ أيضاً: فريدريك نيتشه … الفيلسوف المعذب

هذا وقد قدم افلاطون كثير من الأفكار التي ارتبطت به ارتباطًا وثيقًا من أبرزها المدينة الفاضلة. التي كانت بمثابة الثمرة التي أراد أن تتحقق من فلسفته. وفي هذا المقال سنتعرف على افلاطون ومدينته الخالدة التي لم يكتب له أن يراها. وسنتحدث كذلك عن مدى إمكانية قيام المدينة الفاضله أم أنها من الأمور الخيالية التي لا يمكن أن تقوم على أرض الواقع.

من هو أفلاطون؟

افلاطون هو فيلسوف إغريقي كلاسيكي مهتم بالرياضيات ولد عام 427 قبل الميلاد بأثينا. تتلمذ على يد أبي الفلسفة اليونانية سقراط وتأثر به كثيرًا وإليه يرجع الفضل في نقل تراث أستاذه وإحيائه بعد إعدامه. وقد أسس افلاطون أكاديمية أثينا التي تعد أول معهد للتعليم العالي في العالم الغربي. وله كثير من الإسهامات الفلسفية التي تأثر بها فلاسفة الغرب في العصور الوسطى وما تلاها.

المدينة الفاضلة عند افلاطون

تعد المدينة الفاضلة عند افلاطون أكبر الأحلام التي عاشها وحاول تطبيقها على أرض الواقع. وهو في هذا حاول أيضًا أن ينشأ تلك المدينة ويحدد معالمها ومن يحكمها وفق رؤيته،

وإذا أردنا أن نخمن الفئة التي أراد أن تحكم المدينة الفاضلة عند افلاطون . فإنها قطعًا فئة الفلاسفة التي ينتمي إليها، وقد اعتبر أن الفلاسفة بإمكانهم حكم هذه المدينة لأنهم ينظرون إلى الأشياء نظرية عقلانية معيارية. وهذا يعني أنهم سيضعون الأمور في نصابها ومن ثم ستكون المدينة التي يحكمونها فاضلة لا محالة.

المدينة الفاضلة
المدينة الفاضلة عند افلاطون

إن المدينة الفاضله عند افلاطون أحد الأحلام التي سعى إلى تحقيقها كثير من القادة والفلاسفة والمفكرين. لكن الواقع يؤكد أن قيام مثل هذه المدينة لا يتحقق بالأحلام، بل لا بد له من أسس وتخطيط محكم. وحتى أفلاطون الذي طرح مفهوم المدينة الفاضلة لم يستطع أن يؤسس مدينته ولم يرها. وربما تكون المدينة الفاضلة التي سعى إليها ليست فاضلة ذلك أن بها الكثير من السلبيات التي تتناقض مع الفضيلة.

إن الفضيلة من وجهة نظر افلاطون تحتاج لكثير من الوقفات، ذلك أنه يجعل الفضيلة مسألة قد تبدو نسبية بعض الشيء. فهو يريد أن يعيش الناس في مدينته الفاضلة وسطًا بين الغنى والفقر والترف والحاجة. ويريد أيضًا أن يكون جميع أفراد مدينته أصحاء لا يعانون من أمراض أو تشوهات، وهذا يعني أن المدينة الفاضلة التي سعى إليها لا ترفض التطهير العرقي. فإذا وُلد طفل مشوه أو بطريق غير شرعي للإنجاب فإن المدينة الفاضلة لا تقبله، وعلى أن يُقتل لئلا يغير من بنية تلك المدينة.

تفوق الأعراق والمدينة الفاضلة عند افلاطون

إن المدينة الفاضلة عند افلاطون تؤمن بتفوق الأعراق والتأسيس لفكرة الطبقية. ذلك أنها تمنع الطبقات العليا من الزواج ممن هم دونهم، والأشد من ذلك أنها تحرم الحكماء والفلاسفة وهم حكام المدينة من الزواج.

وهو أحد الأمور التي لا تتوافق مع الفطرة البشرية، وفي المقابل فإنها تسمح لهم بممارسة الجنس خارج إطار الزواج.

إن هذه المدينة التي سعى إليها افلاطون مدينة لا يمكن أن تقوم بحال من الأحوال. ذلك أنها تصادم فطرة الإنسان، وهي وإن دعت إلى قيام الفضيلة فإنها قد ابتعدت عنها.

اقرأ أيضاً: من هو افلاطون ؟ وماهي فلسفة الحياة لديه ؟ وماهي علاقته بأرسطو

ثم إننا نتساءل عن القوانين والأنظمة والتشريعات التي ستنظم هذه المدينة، هل تخضع أيضًا لأفكار الفلاسفة ووجهات نظرهم التي قد تختلف من شخص لآخر؟

علينا أن نؤكد أن المجتمع البشري مجتمع متنوع مختلف وعلينا أن نؤكد أيضًا أن فلسفة افلاطون في مدينته الفاضلة لم تقبل ذلك. وفي واقع الأمر فإنها فلسفة خيالية لا يمكن أن تقوم على أرض الواقع.

تاريخ المدينة الفاضلة عند افلاطون

من المعروف أن العديد من المحاولات لتطوير خطط المدن المثالية من عصر النهضة، وتظهر من النصف الثاني من القرن الخامس عشر. ويعود تاريخ المفهوم إلى ما لا يقل عن فترة افلاطون، التي تعتبر جمهورية استكشافية فلسفية لمفهوم “المدينة المثالية”.

سعي نبل عصر النهضة إلى تقليد صفات الحضارة الكلاسيكية وفي بعض الأحيان إلى بناء مدن مثالية كهذه، سواء في الواقع أو بشكل تقليدي من خلال إعادة تشكيل السلوكيات والثقافة.

  • ويمثل افلاطون مع تلميذه أرسطو العصر الذهبي للـفلسفة اليونانية. وأشهر آثاره السياسية كتاب القانون وكتاب الجمهورية أو المدينة الفاضلة والذي تدور آراؤه حول أسس المدينة الفاضلة والتربية الاجتماعية في المدينة والحكومة المشرفة على المدينة.

وخلاصة آرائه لهذه المدينة هي:

  1. الدولة عبارة عن وحدة حية تتكون من أعضاء والفرد خلية فيها (يشبهها بالإنسان).
  2. كشف الضرورة الاجتماعية التي تجعل من المدينة أول تنظيم اجتماعي وسياسي.
  3. تقرير الحاجة الإنسانية بأنها الدافع إلى الاجتماع المنظم.
  4. الرغبة في العمل تمثل القوة الشهوانية في الإنسان (وتمثلها الطبقة العاملة)
  5. قوة الغضب وتمثلها طبقة المحاربين الفضلاء.
  6. قوة النطق وتمثلها طبقة الفلاسفة والحكماء.
  7. جعل الأخوة أساس الرابطة بين الأفراد.
  8. فصل في برنامج التربية الخاصة بالجند على أساس التدريب إلى 18 سنة ثم الدراسة للمتميزين حتى سن الثلاثين ثم دراسة الفلسفة للمتميزين أيضا حتى الخمسين حيث تتاح القيادة للأكثر تميزا بينما يظل البقية في طبقة الجند.
  9. المساواة بين الجنسين في ذلك.
  10. دعا إلى المشاعية الجنسية لطبقة الحراس (الجند والحكام) والمشاعية في الأولاد وذلك لتخليصهم عن كل ما يعوق تنفيذ مهامهم على أكمل وجه.
  11. حرم الملكية للحراس لذات السبب.
  12. الحكم ليس بالضرورة أن يكون بيد شخص واحد.

الفارابي و ” آراء أهل المدينة الفاضلة “

أبو نصر الفارابي، فيلسوف إسلامي- عربي، من كبار الفلاسفة في القرون الأولى، وهو ذو أصول تركية وقيل فارسية. وهو من الثلاثة العرب الكبار الذين أسهموا في إثراء الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى، والاثنان الآخران؛ هما ابن سينا وابن رشد.

اقرأ أيضاً: ملخص رسالة الغفران لأبي العلاء المعري

تأثر الفارابي بافلاطون وأرسطو وبالأفلاطونية المحدثة (فلسفة أفلوطين)؛ ولكنه أيضاً تأثر بالإسلام وتعاليمه.

المدينة الفاضلة أفلاطون الفارابي

كان أبو نصر من الزهاد الذين قصروا حياتهم على طلب العلم والاكتفاء بما يتبلَّغه من لقيمات العيش. ورغم أنه ذو حظوة كبيرة في بلاط سيف الدولة الحمداني، والذي كان يكرمه ويجلّه ويحسن إليه؛ فإن أبا نصر كان ينفق المال في شراء الكتب وفي الصدقة على الفقراء. ويروى أنه كان يعمل ناطوراً في أحد بساتين دمشق، وكان قارئاً نهماً، ومفكراً ألمعياً، وقيل له ذات مرة: مَن أعلم أنت أم أرسطوطاليس؟ فقال: لو أدركتُه لكنت أفضل تلاميذه.

كتاب (آراء أهل المدينة الفاضلة) كتابٌ في الفلسفة السياسية؛ ولكنه يبدأ الكتابَ بعرض آرائه الفلسفية أولاً، وبعد ذلك يشرع في الحديث عن المدينة الفاضلة. وقد أخذت آراؤه الفلسفية النصيبَ الأكبر من الكتاب؛ لذا سنعرضها أولاً بإيجاز.

نظرية الفيض والصدور

معرفياً ووجودياً، الفارابي يعتبر عقلانياً وينفر من الفكر الحسي. وهو هنا يتابع التراث الأفلاطوني، وتأثر بأرسطو في المنطق والنفس، ويسمى بالمعلم الثاني (في المنطق) بعد أرسطو، المعلم الأول. أخذ عن الأفلاطونية المحدثة نظرية الفيض والصدور التي تفسر وجود الموجودات عن السبب الأول أو العقل الأول: الله.

الله هو العقل الأول المبرَّأ من المادة، وهو أزلي، ووجوده واجب وقديم؛ أي ليس هناك إمكان ألا يكون موجوداً. وعن العقل الأول تفيض بقية العقول والكائنات، ووجودها ممكن؛ أي أنها توجد بسبب خارجي هو الله.

بما أن العقل الأول يفكر (وإلا لما كان عقلاً)، وبما أنه الموجود الوحيد فليس هناك ما يفكر فيه سوى ذاته؛ عندما يفكر العقل الأول في ذاته يصبح اثنين: عقلاً عاقلاً وعقلاً معقولاً. هكذا يوجد العقل الثاني (العقل المعقول)؛

وهو بذاته عقل يفكر، وليس هناك ما يفكر فيه سوى نفسه والعقل الأول (الله)، فإذا فكر في العقل الأول فاض عنه عقل ثالث، وإذا فكر في نفسه فاضت عنه السماء الأولى، وأما العقل الثالث فيفكر في الأول فيفيض عنه عقل رابع، ويفكر في نفسه فتنشأ الأفلاك (الكواكب)، وهكذا حتى العقل العاشر يفكر في الأول فيفيض العقل الفعّال (الإنساني)، ويفكر في نفسه فينشأ فلك القمر.

جدير بالذكر أن ميتافيزيقا الفارابي والسابقين عليه تنهض على فلك بطليموس الذي ثبت بطلانه اليوم، وكذلك لاحظ العلماء والفلاسفة أن الكواكب تتحرك دون محرك؛ فافترضوا أن لها أرواحاً أو عقولاً (هي هذه العقول الأحد عشر).

عالمنا الحسي يُسمى بعالم ما دون فلك القمر، والعقل الإنساني هو العقل الفعال؛ وهو العقل الكلي المشترك بين البشر، وفيه قبس من الله، لأنه فاض عنه، وهو الاستعداد لدى كل إنسان لتلقي المعرفة.

اقرأ أيضاً: أبو العلاء المعري

فالمعرفة أشبه بنور الشمس الذي يسطع على مرآة العقل الفعّال. ومن هنا وجب تنقيح تلك المرآة، أي عقل الإنسان وروحه، من الشهوات والحواس؛ لكي تستقبل نور الحق. “العقل الفعال بمنزلة الضياء من البصر”، كما يقول الفارابي؛ وهو عقل إلهي من جهة مصدره، ولكنه عقل إنساني من جهة موضعه.

ويمكن القول إن هذا العقل هو نقطة الصلة بين الله والإنسان. والفيلسوف يستقبل المعارف اليقينية بشكل مجرد وبرهاني دون تخيل ولا صور مجازية ولا أي توسُّط؛ ولكن بقية الناس يستقبلونها بتوسط، أي على هيئة صور حسية مجازية، أو كما يقول “تحاكيها المخيلة عن طريق الصور”. وتظهر كذلك عن طريق الصور على شكل نبوة أو رؤى صادقة.

أما العقل الفردي في كل إنسان فهو “النفس”؛ وهي ملابسة للجسد ويعتريها النقص والجهل والطيش ما لم يتولَّ قيادَها العقلُ الفعال.

المدينة الفاضلة عند الفارابي

تأثر الفارابي بجمهورية افلاطون؛ ولكن هناك عوامل جعلت بينهما فروقاً واختلافات. فافلاطون عاش في دولة- المدينة، أثينا؛ فكانت جمهوريته ملائمة للمدينة، بينما عاش الفارابي في ظلِّ الإسلام وما يقتضيه من اختلافات جوهرية عن وثنية اليونان، وعاش أيضاً في إمبراطورية كبيرة مترامية الأطراف.

من هنا تحدث الفارابي عن الاجتماع البشري بشكل تراتبي:

  • 1- مجتمع العائلة، وهو أصغر وحدة اجتماعية.
  • 2- مجتمع السكة، ويقصد الحي.
  • 3- مجتمع المحلة، ويقصد القرية.
  • 4- مجتمع المدينة.
  • 5- مجتمع الأمة؛ كالأمة الإسلامية مثلاً.
  • 6- مجتمع البشرية، وهو مجتمع عالمي كلي.

يرى الفارابي أن سبب الاجتماع البشري هو حاجة الناس بعضهم إلى بعض؛ بحيث يكمل كل فرد ما ينقص الآخر، ويتعاونون على بلوغ السعادة القصوى. والمدينة الفاضلة هي التي يكون تعاون الناس فيها كاملاً، وعلى أحسن وجه.

يقول “كل إنسان مفطور على أنه محتاج في قوامه وفي أن يبلغ أفضل كمالاته إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها وحده؛ بل يحتاج إلى قوم يقوم كل واحد منهم بشيء مما يحتاج إليه، وكل واحد من كل واحد بهذه الحال”.

يشبّه الفارابي المدينة الفاضلة بالبدن السليم الذي تعمل أعضاؤه بشكل صحيح، أما رئيس المدينة الفاضلة فهو كالقلب للبدن؛ ومن هنا يشترط الفارابي لرئيس المدينة الفاضلة اشتراطات ربما يستحيل توفرها في الحياة الواقعية،

فالرئيس يجب أن يحوز على صفات بدنية ونفسية وعقلية تامة؛ فيكون ذكياً نابهاً حسن التفكير والاستنباط، ويكون متواضعاً زاهداً في ملذات الدنيا، وأن يكون عالماً عارفاً بالشرائع والعقائد.

وأن يكون أقربَ الناس إلى “العقل الفعال”! أي أن يكون فيلسوفاً؛ فالفلاسفة أقرب الناس إلى العقل الفعال كما أشرنا، وأهل المدن الفاضلة يحاكون رئيسهم ويتشبهون به في الحكمة والعلم والزهد والتقى.

أما المدن الناقصة فيسودها الصراع ويقل التعاون وتغلب الأنانية على أفرادها. ويسميها بـ(مضادات المدينة الفاضلة)، ويصنفها إلى مدن جاهلة؛ وهي التي لم يعرف أهلها المعقولات (الحقائق)،

فعاشوا حياة حسية مادية. ومدن فاسقة؛ وهي التي عرف أهلها الحق؛ ولكنهم جنفوا عنه، وعملوا بأعمال أهل المدن الجاهلة. والمدن الضالة التي ضلَّ أهلها عن السعادة والحق فصاروا كالجاهلة، وأخيراً المدن المبدَّلة وأهلها كانوا فاضلين لكنهم بعد ذلك بدَّلوا حالهم وتغيَّرت صفاتهم لما هو أدنى وأخسّ.

كل أصحاب المدن المضادة تعلقوا بالمادة والشهوات والأنانية و”الهيئات النفسية الرديئة”، ومصيرهم “الانحلال” كما هو مصير المادة عموماً.