شخصيات
آخر تحديث بتاريخ: 3 سنوات

أبو العلاء المعري

أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان، أبو العلاء المعري، التنوخي هو كاتب وشاعر وفيلسوف عربي كفيف، لقب بـرهين المحبسين بعد أن اعتزل الناس لبعض الوقت.اشتهر بآرائه وفلسفته المثيرة للجدل في وقته، وهاجم عقائد الدين، ورفض مبدأ أن الإسلام يمتلك أي احتكارٍ للحقيقة.

حياة أبو العلاء المعري:

أحمد بن عبد الله بن سليمان بن داود بن المُطَّهَر بن زياد بن ربيعة، أبو العلاء المعري ، ينتهي نسبه إلى قضاعة، وعند تيم اللات تجتمع أنساب تنوخ من أهل معرة النعمان.

ولد في المعرة بسوريا، وأصابه الجدري سنة 367هـ، ونطق بالشعر لما بلغ الحادية عشرة من عمره، وقد أخذ علوم القراءات القرآنية بإسناد عن الشيوخ، كما تعلم الحديث في سن مبكرة، ورحل إلى بغداد سنة 398هـ، وأقام فيها سنة وسبعة أشهر، ثم قفل عائداً إلى بلده، فلزم بيته، وأغلق عليه بابه فلم يسمح لغير طلاب العلم بمخالطته. وسلوكه هذا يشير إلى إخفاق الرحلة التي لم يعد منها بشيء، كان متوقد الذهن قوي الذاكرة يحفظ لغات العجم التي يسمعها من غير فهم معانيها، فكأن نعمة البصر تحولت طاقتها إلى قوة الحافظة، فكان عجيب الحفظ والفهم، يؤكد ذلك ما حكاه تلميذه أبو زكريا التبريزي من أنه رأى بعض جيرانه في مسجد معرة النعمان، وكان يقرأ بعض تصانيف أبي العلاء عليه، فتغير من الفرح، فأحس أبو العلاء بذلك من غير أن يرى وجهه، فأخبره الخبر، فأذن له بمخاطبة قريبه، فكلمه بلسان الآذرية ـ نسبة إلى أذربيجان ـ فأعاد أبو العلاء عليه الحديث بلسانهم من غير أن يفهم منه شيئاً.

وهو من أسرة علمٍ تسنمت به قبة القضاء والفتيا على المذهب الشافعي مدة طويلة بين حمص ومعرة النعمان. قال ياقوت الحموي فيه: «كان غزيرَ الفضلِ، شائعَ الذكرِ، وافر العلمِ، غاية الفهمِ، عالماً باللغةِ، حاذقاً بالنحوِ، جَيّدَ الشعرِ، جزلَ الكلامِ. شُهرتُهُ تُغني عن صفته، وفضله ينطقُ بسجيته».

أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري

فأبو العلاء ـ عند ياقوت ـ ذو فضل في مواقفه وعطائه، وصاحب صيت وشهرة بالعلم لغة ونحواً وفلسفة، وذو مهارة بالشعر، وجزالة في الكلام نثراً وشعراً، و في شهرته آية ناطقة بصحة وصفه، وطيب سجيته التي جُبِلَ عليها.

ومن كانت فيه سجايا أبي العلاء المعري، وعمق رؤيته فلابد له من أن يلقى في زمنه كيداً وحسداً، وربما نسبوا إليه ما ليس له، من ذلك وضع الشعر الإلحادي على لسانه، أو نسبة ما يحكيه على لسان غيره إليه، ولو كانت حكاية الرأي المختلف عما يحكيه وارداً في القصيدة نفسها، فإنه ينسب جهلاً أو عمداً إليه، وهو إنما يحاول حكاية الرؤى السائدة في عصره، وقد اتهمه بعض المعاصرين أنه فاطمي، وواقع الأمر خلاف ذلك، فيأتي رجل بعلم عبد الله العلايلي لينسبه إلى غير مذهبه بحجج واهنة في كتابه «المعري ذلك المجهول»، ويتناسى أن أبا العلاء أرسل إليه داعي الدعاة الفاطمي هبة الله الشيرازي برسائل، فقد كان أبو العلاء يجادل داعي الدعاة ويحاوره في رسائل عدة ولا يستجيب له، ومات أبو العلاء وهو يراسل داعي الدعاة.

وكان أبو العلاء نفسه كتب رداً على متهميه بالإلحاد أسماه «زجر النابح» أوضح فيه طرائقه الشعرية في عرض آراء الفرق المختلفة، ومقاصده الأصلية من أشعاره. وكشف في كتاب آخر أسماه «الفصول والغايات» عن إيمانه بعذاب القبر والبعث والنشور، وبكل ما له علاقة بعقيدة الأمة فيما يتصل بالغيب.

نبذة عن أبو العلاء المعري من معجم الادباء لابن ياقوت الحموي

أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعري ، هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان، بن داود بن المطهر، بن زياد بن ربيعة، الحارث ابن ربيعة، بن أرقم بن أنور، بن أسحم بن النعمان، ويقال له الساطع الجمال، بن عدي بن عبد

غطفان، بن عمرو بن يربح، بن خزيمة بن تيم الله، بن أسد بن وبرة ابن تغلب بن حلوان، بن عمران بن الحاف، بن قضاعة، وتيم الله مجتمع تنوخ من أهل محلة النعمان، من بلاد الشام، كان غزير الفضل، شائع

الذكر، وافر العلم، غاية الفهم، عالمًا باللغة حاذقًا بالنحو، جيد الشعر، جزل الكلام، شهرة أبو العلاء المعري تغني عن صفته، وفضله ينطق بسجيته، ولد بمعرة النعمان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة واعتل بالجدري، التي ذهب فيها بصره سنة سبع وستين وثلاثمائة، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، أقام ببغداد سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده، فأقام ولزم منزله إلى أن مات، يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول، سنة تسع وأربعين وأربعمائة في أيام القائم، وكان في آبائه وأعمامه، ومن تقدمه من أهله وتأخر عنه، من ولد أبيه ونسله فضل، وقضاة وشعراء، أنا ذاكر منهم من حضرني، لتعرف نسبه في العلم، كما عرفت ما أعطيه من الفهم.

وكان متهمًا في دينه، يرى رأي البراهمة، لا يرى إفساد الصورة، ولا يأكل لحمًا، ولا يؤمن بالرسل، والبعث والنشور، وعاش شيئًا وثمانين سنة، لم يأكل اللحم منها خمسًا وأربعين سنة، ويلبس حشن الثياب، ويظهر دوام الصوم

والناس في أبو العلاء المعري مختلفون، فمنهم من يقول: إنه كان زنديقًا، وينسبون إليه أشياء مما ذكرناها، ومنهم من يقول: كان زاهدًا عابدًا متقل ً لا، يأخذ نفسه بالرياضة والخشونة، والقناعة باليسير، والإعراض عن أعراض الدنيا.

كتب أبو العلاء المعري:

ألف أبو العلاء كتباً كثيرة بفضل عزلته وغزارة علمه وقوة حافظته وسرعة فهمه، من ذلك رسائله التي تتألف من ثلاثة أقسام، كما يقول ياقوت: «الأول: رسائل طوال تجري مجرى الكتب المصنفة، مثلُ كتاب رسالة الملائكة وكتاب الرسالة السِّندية،ِ جزءٌ، وكتاب رسالة الغفران، جزءٌ، وكتاب رسالة الفَرض جزء، نحو ذلك (من مثل رسالة الصاهل والشاحج المؤلفة في الأدب الرمزي إذ شبه العلماء الذين يحيطون بالسلاطين بالحصان الصاهل والبغل الشاحج والجمل الحاقد فهم طبقات شتى من الطبائع والعلم).

والثاني رسائل دون هذه في الطُّول، مثل كتاب رسالة المَنِيحِ (سهم من سهام الميسر)، وكتاب رسالة الإغريض (الطلع وكل أبيض طري).

والثالث: كتاب الرسائل القصار، كنحو ما تجري به العادة في المُكاتبةِ (فيه رسائل إلى الأهل والأصدقاء والأدباء والعلماء والقضاة …)، قيل: إنه أربعون جزءاً، وقيل: إنه ثمانمئة كُرَّاسةٍ، وخادم الرسائل، في تفسير ما تضمنته هذه الرسائل (أي من غريب اللغة) …».

ومن كتبه أيضاً نظم السور، وكتاب عظات السور، وكتاب الراحلة في ثلاثة أجزاء في تفسير «لزوم ما لا يلزم»، وهو ديوان شعر رتبه على حروف المعجم، يذكر كل حرف من حروف الهجاء سوى الألف، التزم فيه أوزان الخليل كلها، ومنه هذه الأبيات التي ألزم نفسه فيها بالتاء والألف قبل الروي بالباء:

أَقَـرُّوا بـالإلهِ وَأَثْبَـتـُوهُ وقـالـوا لانَـبيَّ ولا كـتابُ

ووطءُ بناتنا حلٌّ مباحٌ رويدكُمُ فقد بَطَلَ العتابُ

تمادَوا في العِتاب ولم يتوبوا ولو سَمعوا صليلَ السيفِ تابوا

فهذه أبيات محكية عن فئة ضئيلة في الأمة ليست من العرب في شيء، ذلك أن العرب ـ كما يقول التوحيدي ـ حَرَّمُوا البنات والأخوات والأمهات من الجاهلية قبل الإسلام، فهو يحكي رأي أناس أعلنوا إسلامهم خوفاً من السيف، وأخفوا عقائدهم، فكأنما وجدوا متنفساً في زمنه فشرعوا بإعلان مثل هذه العقائد. وله كتاب «راحة اللزوم»، شرح فيه غريب لغته نحو مئة كراسة، وكتاب «زجر النابح» يتعلق بلزوم ما لايلزم، أبطل ادعاء خصومه عليه في المشتبه من قوله أو المحكي على لسان بعض الفرق أو المستهدف بعض آرائها بسخرية أو تعريض، وثمة كتاب آخر أسماه «بحر الزجر». ولم يصل إلينا كتاب تفسير لزوم ما لا يلزم، وله كتاب آخر في المنظوم اسمه: «استغفر واستغفري» مقداره مئة كراسة فيه نحو عشرة آلاف بيت من شعره على نحو ما وصفه ياقوت، وله ديوان «سقط الزَّند».

وله كتاب اللامع العزيزي في تفسير شعر المتنبي، مقداره مئة وعشرون كراسة. وله كتاب مثقال العروض، وكتاب ملقى السبيل فيه شعر ونثر، وله رسالة الغفران أو الخسران على مذهبه في تضاد لفظ الغفران، وجاءت هذه الرسالة في سياق رد أبي العلاء على رسالة ابن القارح أي علي بن منصور الأديب الحلبي الشيخ الذي خدم آل المغربي بمصر، وتنكر لأبي القاسم المغربي لما وقع في محنته، فهرب إلى مكة، وأرسل رسالة إلى أبي العلاء يعلن فيها براءته من الزندقة (إظهار خلاف ما يبطن) والنفاق والنمائم، ويريد العودة إلى صفاء الإسلام في طوره الأول قبل الخلاف والاختلاف، غير أن أبا العلاء أراد به سخرية مُرَّةً جعلها وسيلة لاستعراض التراث الأدبي اللغوي والشعري، فجعل ابتداء كلامه ترحيباً بتوبة ابن القارح آخذاً الرجل على ظاهره، مضمراً الإشارة إلى ماضيه في الزندقة وإظهار اتباع المذهب الفاطمي، فجعل توبته موضع شك في إدخاله الجنة، ولم يدخل إلا بشفاعة موكب فاطمة ـ رضي الله عنها ـ مما يعني تذكيره بما كان عليه من اعتقاد يبنى على حسن الظن في الظاهر وسوء الباطن، مما جاء يذمه ل أبو العلاء المعري ، وهل يُصدَّق رجل في توبته، وقد قضى عمره يكذب ويتحرى الكذب، ويعد ويخلف، فكانت جنة الأوهام والخسران، ولذلك جعله يتشوق إلى الجنة بما نعتها من أوصاف أشجارها وخمرها وأباريقها وعسلها وسمكها، وجعل يطل على مجلس من مجالس العلماء الذين سمع بذكرهم يوم عمل لأبي علي الفارسي طلباً لعلوم العربية، فكان بمرآهُ المبرد وابن دريد والأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ويونس بن حبيب والضبي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وأحمد بن يحيى ثعلب وسيبويه والكسائي وأبو عبيدة والأصمعي، وينطلق به في الجنة ليرى عجباً، ففيها الأعشى وزهير وعبيد بن الأبرص والنابغتان الذبياني والجعدي، وعدي بن زيد الذي صحبه في رحلة صيد في عرصات الجنة، وعلى أطراف الجنة تبدو الخنساء، وهي تتألم للنار التي تضطرم برأس أخيها صخر لقولها في الدار الفانية فيه (كأنه علمٌ في رأسه نار) على ظاهر اللغة مما يفسد المعنى، وسياقه سياق الهزء والسخرية، وأبعد منها كوخ صغير للحطيئة العبسي، ودونهم الجن وعفاريت الشعراء، وكشف له عن أسباب دخول هؤلاء الشعراء الجنة، ثم يأخذه إلى الجحيم ليرى فيها بشار بن برد وامرأ القيس وعنترة العبسي وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلِّزة ومهلهلاً والشنفرى وسواهم من الخلق، ويعود به مرة أخرى إلى الجنة، ثم يختم الرسالة بإجابات محددة لأسئلة ابن القارح وما ادعاه لأبي العلاء أو لغيره.

تلك رسالة الغفران بنيت برؤية دينية وحملت مشكلات العلماء والشعراء والمغنين والمغنيات والآراء والفرق، إنها رسالة الفن والعلم والخيال والواقع والثنائيات، بناها أبو العلاء لتكون قبراً لابن القارح وأمثاله من الانتهازيين والمتسلقين، وهم نماذج بشرية تتراءى صورها في كل زمان ومكان على اختلاف الأحوال.

ول أبو العلاء المعري كتب كثيرة أحصاها عدداً بعض المعاصرين من أمثال محمد سليم الجندي وسواه.

هذا هو أبو العلاء المعري فيلسوف الشعراء وأديب الفلاسفة، لم يكن زنديقاً من زنادقة الإسلام كما تراءى لبعض المؤرخين، بل كان ذا فضل في العلم والأدب والشعر ومواقف الحياة، والله أعلم.