رحلة الإسراء والمعراج هي أعجب رحلة في التاريخ؛ حيث نَقَل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجسده من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات العلا، ثم عاد به إلى بيت المقدس، ثم أخيرًا إلى مكة، كلُّ ذلك في جزء يسير من الليل.
إننا في الواقع أمام حدث مهيب رأينا فيه الآيات تلو الآيات، ولا نكاد نلتقط الأنفاس إلا ونرى معجزة جديدة، فلم يكن الإبهار في معجزة هائلة فقط؛ إنما كان في تكثيف عدد هائل من المعجزات في ليلة واحدة، ولا شكَّ أنها كانت من أكثر الليالي تميُّزًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثبت للمعاصرين له حقيقة الإسراء إلى بيت المقدس؛ وذلك بما قدَّمه من أدلَّة مادية تُؤَكِّد صدق كلامه، فإن المعراج لا يمكن التصديق به إلا مع كامل الإيمان بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك مع كامل الإيمان بقدرة الجبار ربِّ السموات والأرض؛ ومن ثَمَّ فلم تكن رحلة الإسراء والمعراج اختبارًا لإيمان المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط؛ وإنما ما زال اختبارها قائمًا إلى يومنا هذا، بل إلى يوم القيامة.
اقرأ أيضاً : شر ماء على وجه الأرض ( بئر برهوت )
كانت هناك أحداث كثيرة في الرحلة، وبالتالي لم يستوعبها حديث واحد، إنما نقلها الصحابة عن طريق روايات كثيرة تحكي كل واحدة منها طرفًا من القصة، وهذا ما قد يُؤَدِّي إلى بعض الاضطراب في الفهم عند مَنْ لم يُحِطْ علمًا بالروايات الصحيحة الكثيرة المذكورة عن الإسراء والمعراج، وبالتالي يظنُّ التعارض بين الأحاديث، أو يظنُّ تعدُّد الإسراء والمعراج، والحقُّ أن الإسراء والمعراج كان مرَّة واحدة فقط.
الحدث كبير للغاية، وفيه استنباطات كثيرة، وينبغي أن يُفْرَد له كتاب خاص يتناول كل تفصيل صحيح جاء في القصة بالبحث والدراسة، وما أُقَدِّمه في هذه المقالة هو في الواقع مجرَّد إجمال لهذه التفصيلات الكثيرة.
مرت على الرسول صلَّ الله عليه وسلم فترة من حياته كان يعاني فيها بسبب رغبته في نشر دين الإسلام العديد من الشدائد والمحن، وكان صلوات الله عليه وسلامه صابراً كله ثقة بالله تبارك وتعالى، ومن هذه الفترات العام الذي يسمى بـ ” عام الحزن ” والذي فقد فيه الرسول صلَّ الله عليه وسلم عمه أبو طالب.
الذي كان له سند من قريش وأذاهم، فقد كانوا لا يريدون الدخول مع أبو طالب في صراعات، لكنه توفي فحزن الرسول صلَّ الله عليه وسلم كثيراً وتعرَض للأذى من قريش بشكل كبير، وفي نفس العام إنتقلت إلى رحمة الله تعالى السيدة ” خديجة ” رضي الله عنها وأرضاها زوجة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
والتي كانت تخفف عنه ما يلاقيه من أذى، مما جعل الرسول الكريم يحزن حزناً شديداً، وهنا قرر الخروج إلى منطقة الطائف حتى يحميه قائدها من ظلم قريش وأذاهم، لكنه رد الرسول ولم يجيب طلبه، وأخبر قريش عن هذا مما جعلهم يكيدون للرسول، هنا أراد الله سبحانه وتعالى أن يسري عن النبي الكريم بعد كل ما مر به من شدائد.
بالإضافة إلى إرادة الله عز وجل أن يجعل الرسول يرى آية كبرى حتى يزداد ثقة وقوة ليواصل رحلة نشر الدين الإسلامي، وكانت رحلة الإسراء والمعراج.
اقرأ أيضاً : ماهي سدرة المنتهى و أين تقع ؟
وصف لنا رسولنا الحبيب رحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى، بأنها بدأت بركوبه دابة تسمى ” البراق ” ووصف لنا شكلها بأنها دابة لونها أبيض طويلة، ليست بحمار وليس أيضاً بغل، وركبها الرسول فطارت به حتى وصلت إلى المسجد الأقصى.
وعندما نزل الرسول ربطها عند الباب الخاص بالمسجد، وقام بالصلاة فيه ركعتين، وبعد ذلك نزل عليه سيدنا ” جبريل ” عليه السلام وعرج بالرسول إلى السبع السماوات.
بعد أن عرج سيدنا جبريل عليه السلام بخاتم الأنبياء سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، إلى السماوات السبع، وعند وصولهم إلى السماء الأولى قام سيدنا جبريل بطرق الباب، فردت عليه الملائكة وقالت : من بالباب فأجابهم : جبريل عليه السلام، فسألوه : ومن الذي معك ؟، فرد عليهم : محمد.
فسألوه : وهل أُرسل عليه ليأتي ؟، فرد عليهم : نعم، فردوا عليه : مرحباً بمحمد فنعم المجيئ جاء، وفتحت أبواب السماء الأولى، وقد رأى سيدنا محمد في السماء الأولى نبي الله آدم عليه السلام، أما بالسماء الثانية فقد رأى الرسول أنبياء الله ” عيسى و يحيي ” عليهم السلام، وبالسماء الثالثة وجد ” سيدنا يوسف ” عليه السلام.
اقرأ أيضاً : 50 سؤال و جواب في السيرة النبوية
أما بالسماء الرابعة فوجد نبي الله ” إدريس ” عليه السلام، وفي الخامسة وجد نبي الله ” هارون ” عليه السلام، أما السماء السادسة فوجد بها سيدنا ” موسى ” عليه السلام، وقد قال العلماء في هذا الأمر أن عندما رأى سيدنا موسى سيدنا محمد صلَّ الله عليه وسلم بكى.
وذلك لأن عدد أمة سيدنا محمد الذين سوف يكونون في الجنة أكثر من أمة سيدنا موسى عليه السلام، وفي السماء الأخيرة رأى سيدنا محمد سيدنا ” إبراهيم ” عليه السلام، وهنا وصل سيدنا محمد إلى سدرة المنتهى، واقترب من البيت المعمور، وفي هذه اللحظة أحضر له سيدنا جبريل عليه السلام وعاء من عسل ووعاء من خمر ووعاء من لبن.
فاختار النبي الكريم وعاء اللبن، فقال له سيدنا جبريل هى فطرة أمتك وفطرتك وهى فطرة الإسلام، وقد فُرض على المسلمين في ليلة الإسراء والمعراج الصلاة، وكان أول عددها هو خمسين صلاة، لكن سيدنا موسى عندما علم ذلك أشار للرسول الكريم أن أمة المسلمين لن تستطيع أن تصلي كل تلك الفروض.
فكان النبي الكريم يعود ويناجي ربه حتى يخففها إلى أن وصلت إلى الصلوات الخمس المفروضة علينا، لكن الله لم يعود في أجرها وظل أجر خمس صلوات يعادل أجر خمسين صلاة.
اقرأ أيضاً : ماهي قصة نبع ماء زمزم
تُعد ليلة الإسراء والمعراج أهم حدث إسلامي ومعجزة لابد أن يستوعبها كل قلب مؤمن، فالعديد من أصحاب الرسول صدقها ومن كان ضعيف الإيمان لم يستوعبها، والجدير بالذكر أن ليلة الإسراء والمعراج هى الليلة السابعة والعشرون من شهر رجب، تُعد من أعظم الليالي بالنسبة للنبي الكريم ولكل أمة المسلمين.
في خلال رحلة الإسراء والمعراج رأى الرسول سدرة المنتهى، وهى مكان لم يصله أي أحد من الخلائق، وفي هذا تكريم للنبي الكريم.