الأحلام أجمل من الخشب:
الأحلام أجمل من الخشب رأس.. قبعة.. رؤوس كثر.. قبعات كثيرة… شعر أشقر.. وربما أسود وربما أكثر سواداً.. هذا المشهد كان من الأعلى والمشهد المختلف كان من عينا طفل يدعى سامي… حيث كانت السراويل تحجب النور عن امتداد نظره .
عينا سامي واسعتان كالشمس والمكان ضيق كنافذة زنزانة فلم تكن تريا سوى ألوانا عديدة وأنواع مختلفة من الثياب المتحركة … تشتبك يد سامي الصغيرة بيد أمه… بيد امتلأت بالحنان و القسوة حنان الأم وقسوة الحياة …قسوة كان لابد منها خوفا على الابن و الأمل الوحيد… لم تقف عينا سامي عند المسافة القصيرة بينه وبين ألوان السراويل فراحت تمد نظرها إلى ما هو بعيداً عنه قريب من أحلامه. وفجأة يفتح القدر نافذة من الضوء بين سروالين حالكا الظلام ليعبر الضوء إلى عيني سامي.
اقرأ أيضاً : أتصدق أنّ إناء قد يلد ولا تصدق أنّه قد يموت؟!
ذلك الضوء كان قد عكسه زجاج إحدى واجهات المحلات الفارهة حيث كانت تتوضع خلف تلك الواجهة دمية خشبية ذات رداء أحمر. وقبل أن يمضي سامي في أحلامه و يبتعد عن الواقع البائس الذي يعيش فيه ينادي سامي بمحاولة يائسة ليخرج ذلك النداء من قلبه ويدق في أذني أمه ناقوس الألم :<أمي أريد تلك الدمية …>الأم بين الحيرة و الحيرة. والحيرة قد احتارت بين دواء لرجل مريض يئست الحياة منه ويئس منهاوبين دمية لطفل ترى في ابتسامته الحياة… كان الخياردون انتظار علبة الدواء على ذلك النداء. نداء سامي.
ترد الأم :<لم يبق من المصروف سوى ثمن الدواء لوالدك>
سامي في قلبه<عبارة قديمة قد حفظتها >
عادت الأحلام إلى سامي… الأحلام التي جعلت من الدمية الصديق المخلص له…أصبحت الدمية تتكلم معه ويتكلم معها و تغني له ويغني لها ويحكي لها عن أسراره و أحلامه ومعاناته… وعن والده الذي لم يراه واقفا قط ولم يسمع صوته أبدا فهو كقطعة أثاث من المنزل و لا يختلف عنها سوا انه يأكل ويأخذ الدواء. قالت له أمه حين سألها عن سبب حال والده أنها رأته في إحدى الليالي الغابرة مرميا على باب المنزل وبقيت حالته هذه إلى اليوم . لقد غرق سامي في أحلامه و عشق الدمية.
وفي طريق العودة إلى المنزل و دون أن تشتري أم سامي الدواء لأن الليل قد خيم على السوق والعطار قد اقفل دكانه تمنى سامي في نفسه أمنية :<ليت أبي يموت كي اشتري تلك الدمية بثمن الدواء..>
يصل سامي وأمه المنزل وعندما دخولهما ترى الأم أن والد سامي لم ينم بعد على عكس العادة وعندما أمعنت النظر في عينيه عرفت أن عينيه مفتوحتان ليس لأنه لم ينم بعد إنما لأنه قد نام نومته الأخيرة…ترمي الأم محفظتها من يديها وتخضع للبكاء .
اقرأ أيضاً : قصة مصباح الشارع القديم
يركض سامي نحو المحفظة و يأخذ ما فيها من نقود ويشتري الدمية… وعندما تصبح بين يديه تبدو مختلفة كثيرا عن الأحلام فلم تعد تتكلم و لا حتى تغني ولم يعد في قلبها مكان يتسع للأسرار. ينزع عنها رداؤها الأحمر فما هي إلا قطعة من خشب …يحفر سامي حفرة صغيرة بجانب قبر والده ويدفن الدمية فيها…
الكاتب : عبد الله شحود